الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«هدى السبيعي» تروي قصة حياة والدها من «الفقر والغنى».. مسيرة الكفاح والمعاناة والهجرة

السبيعي
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
تواصل - فريق التحرير: تروي "هدى" ابنة الشيخ "محمد بن إبراهيم السبيعي"، رَحِمَهُ اللَّهُ، رحلة الفقر والغني التي عاشها والدها، قائلة: "أحد الذين صنعوا التاريخ بعرقهم وجهدهم، وبنوا لبناتٍ في تقدم هذا الوطن وازدهاره". المولد والنشأة يعود نسب أبو إبراهيم محمد بن إبراهيم بن محمد بن ناصر السبيعي، إلى قبيلة سبيع من مدينة عنيزة، والتي ولد فيها عام 1333هـ؛ وَهُوَ عام مشهور في جزيرة العرب؛ حيث نشبت فيه معركة "جراب". وتُوفي والده "إبراهيم"، في المدينة الْمُنَوَّرَة في شهر شعبان لعام 1344هـ، وكان يعمل في إصلاح السلاح مع أكبر قادة الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، ووالدته نورة بنت ناصر العماش، من البدائع في القصيم، وهي من بيت علم ودين، وينتهي نسب العائلة إلى قبيلة قحطا، وتوفيت عام 1404هـ - رحمها الله. وكانت والدته هي الأم والأب؛ لأن والده كان يتنقل ما بين مَكَّة المكرمة والمدينة الْمُنَوَّرَة سَعْيَاً إلى طلب الرزق؛ حيث كان الفقر يضرب أطنابه على معظم سكان الجزيرة العَرَبِيّة، وكان أهل نجد يغادرون مناطقهم إلى الحجاز والشام والهند للتجارة والبحث المضني عن لقمة العيش. وعايش أبو إبراهيم حياة "اليتم"؛ حيث تُوُفِّيَ والده وعمره 11 سنة، أمضى منها 8 أشهر مع والده، ومع تراكم الظروف القاسية أدرك الصبي واجبه في السعي للبحث عن عمل يكفل له ولوالدته وأخيه عبدالله لقمة العيش، فقرر التوجه إلى مَكَّة المكرمة مع عمه ناصر، وكان هذا الاختيار موَفْقَاً؛ حيث كانت مَكَّة المكرمة آنذاك ملتقى التجار من أنحاء العالم، حيث كما هو معروف يتوافد إليها الحجاج والمعتمرون، إِضَافَة إلى قربها من ميناء جدة. رحلة شاقة ونقلت ابنة الشيخ، وصف أبيها عن الرحلة إلى مَكَّة والتي قَالَ فيه: إنها "كانت رحلة شاقة والطريق كان طَوِيلاً والماء شحيحاً، وقد وردنا إلى بئر ماء اسمها (العتمة) قريبة من الدوادمي، وكان ماؤها كدراً جِدّاً فشربنا منه لأننا لم نجد غيره". بالنسبة للتعليم، فإن أبا إبراهيم قرأ نصف القُرْآن الكريم في عنيزة على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، رَحِمَهُ اللَّهُ، الذي كان يُدرِّس القُرْآن الكريم لوجه الله تعالى". وقال الشيخ محمد السبيعي، رَحِمَهُ اللَّهُ، "بينما كَانُوا مرة في الدرس إذا بهم يفاجؤون بزيارة سلطان نجد والحجاز حينذاك الملك عبدالعزيز آل سعود في موكب من السيارات الحديثة". وقال "أبو إبراهيم"، عن هذا الموقف، "أذكر أن الملك عبدالعزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ - زار عنيزة على سيارة وعندما سمع سكان عنيزة صوت السيارة انزعجوا فجاءهم ابن غصون وهو من الذين عاشوا مدة من الزمن في العراق يسمونه (ترمبيل) وهو وسيلة نقل حتى يهدئ من روعهم". وكان "أبو إبراهيم" حريصاً على الدراسة والتعلم وحاول المواصلة بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، وكانت المدرسة الوحيدة فيها، لكن عمه ناصر عندما أدرك أن المدرسة ليست كالكتّاب، التي يقضي الطالب فيها معظم النهار، علم أن هذا يعني انقطاع ابن أخيه عن العمل في الدكان، وهذا لم يرق للعم فأخرجه منها. وقال الشيخ محمد السبيعي، عن هذه المرحلة،: "عندما كنت أدرس في المدرسة سألني عميّ عن أحوال الدكان، وكنت مُنْشَغِلاً في مراجعة واجب الحساب وأجمع أرقاماً بلغت خمسين ألفاً.. فما كان من العم إلا أن نهرني وأمرني بالانتباه للدكان وصرف النظر عن جمع وطرح تلك الأرقام الخيالية، وقال لي "لو أنك ملكت 10 آلاف ريال فقط طوال عمرك وليس 50 ألفاً فأنت عنترة بن شداد". بدايات وكفاح وقالت ابنة الشيخ، "كان أبي يجلب الماء للبيت وللديوان لدى عمّه مقابل أجر زهيد لكي يساعد ابن الثلاثة عشر عَامَاً أسرته، وبعد عِدَّة أشهر ترك هذا العمل وبدأ البحث عن عمل آخر أكثر ربحية، فتوجه للبناء مقابل بضعة قروش إلى أن توسط له أحد معارفه وهو إبراهيم الفريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليعمل في قصر الملك عبدالعزيز على وظيفة مشرف عمال بمرتب ريال مجيدي واحد في اليوم؛ وَهُوَ يساوي 22 قرشاً. وأَضَافَت: "امتهن أبي مهن عديدة منها مهنة طباخ لمدة سنة و10 أشهر، وتعلم القيادة والخياطة التي لم يستطع خلالها شراء ماكينة خياطة لارْتِفَاع سعرها وعدم تواجد هذا المبلغ". وَتَابَعَت، من المهن التي زاولها "دلالاً" لبيع السجاد من خلال الطواف بالشوارع. وفي عام 1349هـ عمل في وظيفة حُكُومِيّة بمسمى (مفتش طريق) وكان راتبها مغرياً ذاك الزمان، حوالي 30 ريالاً، إِضَافَةً إلى المأكل والمشرب والمسكن، وعندما توافرت له هذه الإمكانات أحضر والدته وأخاه عبدالله للإِقَامَة معه، لكن بعد أن أمضى في الوظيفة 4 سنوات عاد به الحنين والطموح للتجارة مُجَدّدَاً وهو يرددّ شعار أحد الصحابة: (دلونيّ على السوق)، وعاد إلى مَكَّة المكرمة. وأوضحت أنه كان له مع سليمان بن غنيم، أحد تجار مَكَّة قصة أخرى؛ حيث كان ابن غنيم يرغب في زيارة أَقَارِبه وأهله بالمنطقة الشرقية فاتفق مع أبي إبراهيم عن طريق عمه ناصر على شراكة وأن يتقبل الثَّانِي بموجبها ما في دكان ابن غنيم من أقمشة وعقل وغتر مقابل 950 ريالاً، مع أنها لا تساوي أكثر من 500 ريال إلا أن السبيعي وَافَقَ لقناعته بأهمية هذه الشراكة، وعزمه أن تكون بداية انطلاقة في عالم التجارة، واستمرت هذه الشراكة بعد النجاح الكبير الذي حققه بِفَضْل الله لعلاقته الحسنة مع التجار وضيوفه في التعامل معهم وأمانته، وقرر ابن غنيم أن يبقي شريكه أبا إبراهيم في مَكَّة وأن ينتقل هو إلى الرياض؛ ما جعل أبا إبراهيم يستدعي أخاه عبدالله للشراكة التي كانت بدايتهما. وأشارت إلى أنه من خلال إقامته في الحجاز اكتسب أفقاً واسعاً واطلاعاً كبيراً على ثقافات الشعوب وطباعها وكَثِير من عاداتها. مهنة «الصيرفة» ونقلت ابنة الشيخ، عن أبيها: "كنا لا نعرف الدولار الأمْريكي في ذلك الوقت، وكنا نشتري العملات مقابل الذهب، وكانت تصلنا مبالغ طائلة من العملة الهِنْدِيّة فئة الألف روبية، والدينار العراقي، والعملات الإيرانية والتركية في أجواء من الأمن والطمأنينة". وَتَابَعَت: "من طرائف ذلك الوقت أن السيارة كانت تتعطل في الطريق وهي محمله ذهباً أو فضة، ويركبها السائق برفقة المساعد ويذهب للرياض أو جدة للبحث عن قطعة غيار لإصلاحها ليعود ليجدها كما كانت". ومن المواقف التي ترويها نَقْلاً عن أبيها: "أنه عند القيام بنقل العملات والذهب بالطائرة لَيْلاً بعد أن تطورت وسائل النقل كَانُوا يأخذون الذهب والنقود ويدفنونها في الرمل حول المطار، وينامون عليها لَيْلاً لإِرْسَالها في الصباح الباكر مع أحد الركاب". وعن انتقاله للرياض، قَالَ أبوها - رَحِمَهُ اللَّهُ - "إنه بعد نقل الوزارات إليها فكرت في التوسع وفتحت محلاً، حيث كان لي أَعْمَال مع بعض الأمْراء والوزراء، وصادف أن قابلت في أَحَد الجوامع الأخ عمر بن حمران - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث كان يعمل لدى الكعكي في مَكَّة وانْتَقَلَ للرياض وصار وكيلاً له، وعرض علي أخذ دكان في شارع الملك فيصل ونصير شركاء، وَتَمَّ ذلك وكان مشهوداً له بالصلاح والتقوى، وكان هذا فاتحة خير لعملنا بالرياض". وقالت: إن أباها الشيخ محمد السبيعي، حكى لها بعضاً من ضياع الفرص؛ حيث قال: "إن موقفاً جمعه مع الملك خالد بن عبدالعزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ - عام 1398هـ؛ حيث اقترح عليه النظر في تحويل مؤسسة الصيرفة إلى بنك مستقل متكامل، وخُصُوصَاً أن اقتصاد المملكة كان في حينها في أوج ازدهاره، لكن كان الخير فيما اختاره الله". وتحدث الشيخ عن إنشاء بنك البلاد في عام 1425هـ وحرصه على تأسيسه، وأنه بالرغم من كبر سنه وظروفه الصحية أصرَّ على حضور أول اجتماع لمجلس إدارة البنك، وألقى فيه كلمة بدأت بآيات من القُرْآن الكريم ثم قَالَ للحضور: "أنتم أمام مسؤولية عظيمة أعانكم الله". واختتمت: "كان لأبي إبراهيم من الرؤى الاقتصادية وبُعد النظر ما ساعد على الاسْتِمْرَارية - 80 عاماً - قضاها في دنيا المال والأَعْمَال، وكان حريصاً على التواصل مع أصدقائه، يكنّ للجميع الود والتقدير، ويذكرهم بالخير دَائِمَاً".اضافة اعلان
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook