الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

توريث النجاح والفشل

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

إحدى أولى الصدمات التي تلقَّيتها في طفولتي أن أرى الشاب منحرفاً سلوكياً، وتطور به الأمر إلى تعاطي المخدرات، ووالده إمام لمسجد، هناك شيء صادم في هذه القصة، وكأن هناك قناعة في الأعماق تؤكد بأن الرجل الصالح يجب أن يكون ولده صالحاً بالضرورة، هذه القناعة التي تبددت مع الوقت، فقد ترى ابن عائلة فقيرة بعد سنوات من العمل الدؤوب يقرض الناس من ماله!

اضافة اعلان

الجينات التي يحملها أطفالنا لا تكفي لأن يكونوا ناجحين، وإن كان لها دور مؤثر في حياتهم، إلا أن العوامل البيئية لها أثرها البالغ في النجاح أو الفشل، والذي عمل في حقل التعليم يرى ذلك جلياً، فقد يمرُّ عليك طفل والداه موهبان ناجحان، لكنه لم يحظَ باهتمام منهما، فلم تكن البيئة محفزة له لاستثمار طاقته، فلا ترى عليه آثار التميز والتفوق، وتأتي المفاجأة عندما تعلم أن والديه لهما مكانتهما الثقافية في المجتمع فَلِمَ لم يورِّثاه النجاح! وبالمقابل رأينا طلاباً متفوقين في دراستهم ووالديهم لا يقرؤون ولا يكتبون، وعند السؤال يتبين حرص الوالدين ومتابعتهم الدائمة مع المدرسة، هذا في مجال الدراسة، وكذلك في مجال ريادة الأعمال، فقد يكون الأب رجال أعمال مشهوراً، ويأتي أحد أولاده ليبعثر ثروته ويضيع مجد والده، ويقول الشاعر في هذا المعنى:

لَئِنْ فَخَرْتَ بآبَاءٍ ذَوِي شَرَفٍ

لَقَدْ صَدَقْتَ، وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدُوا

الاتكاء على نجاحات الآباء والأجداد ليست من معايير النجاح، بل المعيار الحقيقي ما هو دورك في نجاحك، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه بعد توفيق الله تعالى؛ لهذا قال عامر بن الطفيل الجعفري:

فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ابْنَ سَيِّدِ عَامِرٍ

وَفَارِسَهَا الْمَشْهُورَ فِي كُلِّ مَوْكِبِ

فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ

أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوَ بِأُمٍّ وَلَا أَبِ

أعظم ما يمكن أن نورِّثه لأولادنا حبهم لدينهم، وأن نوجد لهم شغفاً في أمور إيجابية ونرعاها لهم، وتعويدهم على العصامية والإصرار والمثابرة لتحقيق أهدافهم، وتحفيزهم عند إنجاز الأهداف، وإن كانت في نظرنا صغيرة، فهي في نفوسهم كبيرة، فالنجاح سلوك حياة، فمن نجح في طلب العلم لديه قابلية النجاح في أسرته وتجارته، ومن نجح في قُربه من الله تعالى وبُعده عن المعاصي، ولّد في نفسه العزيمة والإصرار التي تقوده لنجاحات أخرى بعون الله.

ومن خلال تجربة شخصية كان والدي – رحمه الله - محفِّزاً من الدرجة الأولى، ففي ذات يوم وعند توزيع الشهادات، أخفق أحد إخوتي في إحدى المواد، فأعطى الناجحين منا هدايا، وأعطى الذي أخفق هدية أيضاً، وزاد عليها أن أخذه معه ليشتري له ما يريد من الحلوى والمشروبات، فالتحفيز لعب دوره في حياتنا كعائلة، وأثَّر في حياة الكثيرين، وقبل ذلك وبعده سؤال الله توفيقه وإعانته.

إِذَا لَمْ يَكُنْ عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتَى

فَأَوَّلُ مَا يَجنِي عَلَيهِ اجتِهَادُهُ

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook