الخميس، 16 شوال 1445 ، 25 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حفيدة «ابن جبرين» تروي مآثر من حياة الشيخ

الشيخ العلامة عبد الله بن الجبرين
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - سمية الوشَلي: قالت هدى الهدلق، أستاذة أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وحفيدة الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين- رحمه الله- إنه نشأ في بلدة الرين وكانت قرية بعيدة عن العلم، لكن والده كان معروفًا بطلبه للعلم، وأجداده حتى جده الرابع.

اضافة اعلان

وأضافت الهدلق، أن والد الشيخ اهتم به خاصة لما رأى حبه للعلم، فكان يحضر دروس والده منذ صغره وهو في السادسة من العمر أو دون ذلك ، رغم أنه لم يكن يفهم منها إلا الشيء اليسير، واستمر والده يعلمه القرآن وكان حريصاً على أن يربيه على الجِدّ فمنعه من شرب القهوة حتى لا يضيع وقته لأن الناس اعتادوا على اهدار أوقات كثيرة في ذلك الزمان اثناء احتساء القهوة ، كذلك كان حريصاً على حفظه من القيل والقال الذي يدور بين الشباب أثناء شربها يومياً .

وأشارت إلى أن أقران الشيخ رحمه الله في صباه في قرية الرين كانوا يظنون أن الشيخ لا يلعب معهم ؛ لأنه يخاف من أن يهزم في المبارزة ، وكانوا يرون انشغاله بالعلم ضعفاً ، فلما كبروا ورأوا مكانته وعلمه قالوا كما قال اخوة يوسف : “تالله لقد آثرك الله علينا”.

وتابعت، أن الشيخ حفظ القرآن الكريم وأتم 12 جزءًا في الثانية عشر من عمره، وقرأ على والده الأربعين النووية وغيرها من الكتب مثل الأجرومية والرحبية في الفرائض، وخف اقباله على العلم بعد الثانية عشر فكان يقرأ بعض الكتب على والده ويحفظها ، لكنه شعر بالفتور لانعدام من تحمل رؤيته على المنافسة في العلم كالأصحاب والاقران حيث لم يكن في البلد طالب علم سواه ، بل ولا يوجد من أهل علم سوى والده ، فلما بلغ السادسة عشر من عمره بعث الله لتلك القرية الشيخ عبدالعزيز الشثري قاضياً فرح الشيخ بهذا العالم فرحاً كبيراً ، فلما ذهب إليه ليطلب العلم على يديه، سأله هل أتممت حفظ القرآن؟ فقال لا، فقال له الشيخ أبو حبيب : ارجع فلا تأتني إلا بعد أن تتم حفظ القران .

وأكملت، فعكف على حفظ الـ18 الجزء المتبقية في المسجد فكان يجلس من الظهر إلى الليل، حتى أتمها حفظها في 6 أشهر، وكان يختم القران مراجعة كل ثلاث ليال , فلما ختم القران حفظاً انكب على طلب العلم فكان يقرأ على شيخه ابو حبيب الشثري بعد كل صلاة ، حتى انهى عدة مجلدات علمية ضخمة ، في زمن وجيز ، وهو مع هذه القراءة النهمة والانكباب على العلم في مجمل أوقاته ، كان لا يغفل عن خدمة أهله ، فكان يقوم على دكان والده في بعض الاوقات ، وكان يرعى غنم أهله ، ويساعد في كسب عيشهم فلم يشغله العلم عن واجبات البر والإحسان للأهل .

ونحسب أنه بعد توفيق الله وعونه ، كان حسن قصد الشيخ واخلاصه واجتهاده سبباً في هذا التراث العلمي الضخم الذي تركه بعد وفاته حيث كان منه 10 آلاف ساعة صوتية و240 كتابًا منها ما شرحه الشيخ 12 مرة، وعشرات الالاف من الفتاوى ، ومئات المؤلفات العلمية .

وكان من حبه للتعليم ونشر العلم أنه لا يفوت دروسه إلا للضرورة القصوى ، حتى أنه في صبيحة وفاة زوجته أم أبنائه رحمها الله وهي من أحب الناس اليه ، ذهب إلى مسجده وأتم درسه مع ما يجد في نفسه من حزن كبير ، وكنا رأينا في عينيه دموع الفراق تنهمر قبل خروجه للمسجد .

وكان يجد متعته وسعادته في بذل العلم ، وقضاء حوائج الناس ونفعهم فقد كان يصل عدد دروسه أحياناً إلى 40 درسا أسبوعيًا.

وقالت “الهدلق”، لعلكم طالعتم صورة عفوية انتشرت في الانترنت للشيخ وهو يجلس في أحد النزه البرية ممسكاً بكتابه ، فكان – رحمه الله - لا يهدر الأوقات في النزه والجلسات العائلية بل كان يجالسنا ويتبسط معنا ويسعدنا بأحاديثه وفتاواه وعلمه في وقت معقول كالساعة أو نحوها ، ثم يعود للعلم والعمل والقراءة .

وتروي، أن الشيخ لا يدخر جهدًا في تعليم رجل أو رجلان فهو عنه كعدد مئات المستمعين , فبعض دروسه كما يروي المقربين منه أحيانا يحضرها اثنان فقط وبعضها يحضرها المئات ، وشرحه لهؤلاء كشرحه لأولئك لا يفرق بين الجماهير وعدمهم فالعبرة عنده ببركة العلم.

وكان يرى أن الإجازة فرصة للاستزادة من العلم والتعليم وليست لضياع الاوقات واهدارها ، فكان يتنقل بين مدن المملكة وقراها النائية في كل اجازة صيف حتى مع كبر سنه وهو في عمر الثمانين ، ومن حرصه على نشر العلم أنه إذا ذهب لمدينة ما لإلقاء الدروس وزع طلابه على المساجد لينشروا العلم

وأوضحت، أنه لم يكن الشيخ يرد طلب طالبًا إذا طلبه لدرسٍ أبدًا إلا إن كان مرتبطًا بدرس آخر ، أو كان هناك عذر قاهر يمنعه فعلاً من الالقاء ، ولما أصر عليه شخص مرة وافق وهو يجد في نفسه ضعفاً فذهب وألقى الدرس ، ثم أغمي عليه أثناء الدرس ، فعلم الرجل أن الشيخ لا يعتذر إلا لعذر قاهر .

وعن حياته الخاصة، قالت “الهدلق”، إن الشيخ لا يفوت اجتماع العائلة ويحرص عليه حتى في كبر سنه وكان هدفه في الاجتماعات أن يرانا مبتسمين متآلفين ، كما كان يحتفي بأبنائه وأحفاده وأولاد أحفاده جميعًا ويحفظهم بأسمائهم مع أنهم قد قاربوا وقت حياته السبعين فرداً ، وكان يعرفهم كلهم بأسماءهم ، بل ويكنيهم بكنى يبتكرها بنفسه لهم ثم يكررها عليهم كلما رآهم ملاطفة وتوددًا .

وأضافت، أن الشيخ رحمه الله كان حريصًا على النعمة ويكره التبذير والمبذرين فكان إذا جلسوا على العشاء يحرص ألا يبقى من النعمة شيء فكان يأكل أحياناً باقي الطعام المتناثر خارج الأطباق على السفرة ، ورأى مرة إحدى حفيداته قطعت تفاحة فوضعت جزءًا منها على بساط الأكل لتكمل أكلها فظنها سترميها فأخذها ليأكلها وهو يقول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”.

وذكرت كانت إحدى بناته تكثر من سماع الأناشيد فكان كلما مر أغلق المسجل بصمت فلما علمت كراهته ذلك وتركته ، لأنه كان يريد أن يربيها على الذكر والشكر وعدم التعلق بالنشيد في اغلب الوقت ، ورأى مرة دمية من البلاستيك مرسومة الوجه والشهر في بيته وكان لا يرى جوازها ،فأخذها وأحرقها ، وكان يخبرهم قبل ذلك بجواز الدمى المصنوعة من القطن فقط بدون أن يرسم لها وجه بملامح واضحة لحديث : ( لعن الله المصورين ) .

وتذكر أن أحد أبنائه أدخل التلفاز إلى غرفته ، ولما علم الشيخ استأذنه لدخول غرفته فلما رأى التلفاز أخذه ورمى به من فوق الدرج فانكسر .

وكان يوقظ أبنائه للصلاة ، ثم يخرج للمسجد ، فإذا عاد للبيت بعد انقضاء الصلاة يسكب الماء على من لازال نائماً في فراشه إذا لم يره في المسجد .

واختتمت، أن الشيخ دُعي مرة إلى قصر أحد الوجهاء فلما دخله مع بعض مرافقيه انبهروا بزخارف القصر وصاروا يتأملون بعجب فقال الشيخ لهم مذكِّرًا: لبيك اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.

وكان الشيخ زاهداً يربي أهله على الزهد ، فلما طلب منه بعضهم الخروج من منزله الذي بُني قبل أكثر من ثلاثين سنة ، وشراء منزل حديث قال لن أخرج من هذا البيت الا لبيت طوله سبعة أذرع ( يقصد القبر ) رحمه الله رحمة واسعة .

وكان من حسن خلقه أنه يفتح بيته يومياً للناس بعد كل صلاة عصر إلى أذان المغرب ليفتي لهذا ويشفع لذاك أو يحل مشكلة ويساعد في نوائب الدهر .

وكان لا يرد داعيًا قدر استطاعته ، بل كان يجيب دعوتين أو ثلاث دعوات زواج في ليلة واحدة على حسب قرب المكان وامكان ذلك ، كل هذا بهدف ادخال السرور على من دعاه واجابة دعوته .

مضيفة أنه في مرضه الأخير رحمه الله مضت عليه 4 أشهر لا يتكلم وهو يعاني من المرض مع كونه يشعر بمن حوله .

فكان إذا سمع القرآن انهمرت دموعه تأثراً وخشية ، وكان من تقواه نحسبه كذلك والله حسيبه أنه يتهم نفسه بالتقصير دوماً وهو الذي قضى كل حياته في خدمة العلم وأهله ، فكان يشتد تأثره عند آيات العلم والعلماء ، وآيات الصبر والابتلاء .

رحم الله الشيخ ابن جبرين واسكنه فسيح الجنان وجميع علمائنا ، وأمد في عمر الباقين على طاعته ونفع بهم وبعلمهم .

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook