الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الإعلام والعلمنة.. لماذا؟

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

منذ ظهور الإعلام في العالم العربي (بدءاً بالصحافة) فقد ارتبط - بشكل غير طبيعي - بالاتجاه العلماني باستقلال أو بارتباط بالاتجاه النصراني.

اضافة اعلان

الإعلام العربي كان على صنفين أهلي مستقل (تجاري)، أو حكومي (سياسي)، الأول غلب عليه (في الجملة) التوجه العلماني، ليس بالضرورة أن يحارب الدين (الإسلامي) لكنه لم يكن يحفل بالإسلام كمكون أساسي للمجتمع وعقيدة تحرك أفراده.

الإعلام الحكومي (في الغالب الأعم) لم يكن علمانياً لكنه لم يتبنَّ الدين كجزء من المنظومة الإعلامية، وأحياناً تم توظيف الدين لأغراض سياسية من خلال وسائل الإعلام.

يتيح أحياناً الفرصة للبعض لعرض الدين لكنه يقدم منفصلاً عن المنظومة الإعلامية ضمن رؤية فاقعة: قدم للناس منوعات وترفيهاً تريحهم وتصوغ عقولهم! بمعنى آخر لم يكن الدين ضمن الاستراتيجية الإعلامية، بل كان جزءاً من مادة إعلامية قد يكون مفيداً ونافعاً لكنه مادة تكميلية فحسب!

لم تتبنَّ المؤسسات الإعلامية العربية الأهلية أو الحكومية الإسلام كشريعة ونظام ضمن رؤيتها الإعلامية (حتى عهد قريب جداً) وغالباً ما يكون مادة دينية تقدم في المواسم وتتاح في بعض الأوقات ويقدم معها ما يصادمها ابتداءً، فتجد - على سبيل المثال - مجلة نسائية تعرض صوراً فاتنة لنساء متبرجات (بدرجات حسب نوع المجلة والبلد الذي تصدر فيه) كما قد تجد فيها صفحة دينية أو صفحة فتاوى، ويجيب عنها شيخ وقور، ظاناً أنه يقدم خدمة للقراء بتعريفهم دينهم والإجابة عن أسئلتهم! ولا تستغرب عندما تتبنى قناة تلفزيونية (أو شبكة في الحقيقة) برامج دينية (جيدة)، أو مسلسلات تاريخية إسلامية (في رمضان بالذات) في الوقت الذي تقدم فيه في أوقات أخرى مادة هادمة للدين إما بتشويه أو إساءة أو ما يخدش الدين والحياء ويشجع على الانحراف والفسوق!

الإشكال هو أن المنظومة الإعلامية العلمانية تقدم الدين، لكن ضمن رسالة سيئة فحواها "ساعة لربك وساعة لقلبك!"، وساعة القلب ليس لها علاقة بالرب!!

هذا الأمر أنتج أجيالاً تعيش في ازدواجية فهي تتابع البرنامج الديني، وتسكب دموعها من الواعظ، وترسل أسئلتها للمفتي، في نفس الوقت تتابع بشغف مسلسلاً تركياً أو مكسيكياً أو كورياً مدبلجاً قمة في الانحطاط الأخلاقي.

علمنة الإعلام في العالم العربي لا تعني محاربة الدين أو إزاحته بالكلية من الخارطة البرامجية، بل تكتفي بزلزلة العقيدة وتخريب الفكر وإشاعة الانحراف (بقصد أو بدون قصد) وكأني بهم يطبقون الآية حسب أغراضهم: "من شاء فليؤمن ومن يشاء فليكفر" بمعنى أنهم - لسان حالهم - يوفرون للمشاهد / المستمع/ القارئ خيارات متعددة وهو - لأنه عاقل ومدرك! - يختار ما يحلو له!

المنهج الإسلامي - في الإعلام - يتضمن حماية كاملة للمتلقي، ولا يطبق المثل القائل: "ألقاه في اليم وقال: إياك إياك أن تبتل بالماء!". دفع المفاسد معتبر شرعاً، وحماية النشء أصل في الإسلام، ودفع الشرور واجب على المجتمع، لكن الإعلام العربي له رؤية مغايرة.

الإعلام العربي العلماني في الرؤية لا يريد صلاحاً للمجتمع، ولا يفكر في حماية أفراده عقلياً وأخلاقياً بقدر ما يهمه الحصول على المصالح المادية والأدبية، وأحياناً تنفيذ أجندات معينة ضمن رؤية فكرية تغريبية بالكامل.

إن ظهور الإعلام الهادف أظهر عوار الإعلام العربي، وأبان نقصه، وأدى دوراً ممتازاً في توجيه المجتمع، لكنه ما زال ينقصه سعة الانتشار، وعمق التأثير، وتعدد الأساليب، وتكامل الجهود.

نحتاج نرصد باستفاضة دور الإعلام العربي وما أثمره في مجتمعاتنا من قيم جديدة سلبية سببت تخلفاً ثقافياً وربما تنموياً، كما نحتاج إعادة صياغة للإعلام الهادف لمزيد من التأثير والانتشار في العالم العربي.

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook