الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«الشريم»: حظ الأمم والشعوب من الوجود على مقدار حظها من الوحدة

الشريم
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل- واس:

قال إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، إن الهيمنة لنزعة الشهوة والأثرة وحب الدنيا وكراهية الموت، قد ولدت في كوامن كثير من المجتمعات المسلمة قسطاً وافراً من القنوط، واليأس، وذوبان الأمل، والشعور المستحكم بأن سيادتها في الأرض وريادتها فيهما نوع استحالة، تجعل القناعة بمثل ذلكم لوناً من ألوان الرضا بالواقع والاستسلام للمستجدات والمدلهمات أياً كان نوعها حتى لو كان فيها ظلم الإنسان وقهره وإهدار كرامته، ومحو هويته، مع أن حقيقة الإسلام وواقعه يؤكدان أن لا انفصال بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، وأن ليس ثم تغليب للجسد على حساب الروح ولا للروح على حساب الجسد، إنما هناك تنظيم دقيق يجعل همة الإنسان المسلم والمجتمع المؤمن في أن يتولى القيادة ويمسك بالزمام، فلا رهبانية تقتل نداء الفطرة والجبلة، ولا مادية جوفاء، وأفئدة هواء، تتجاهل سناء الروح، وتطلعاتها إلى الرفعة والتمكين.

اضافة اعلان

وأوضح الشيخ الشريم في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: أن هذا الحق هو ما يجب أن يعرفه عامة المجتمعات المسلمة بجلاء، وأن تبح له حناجر الباحثين عن الصالح العام لأمتهم ومجتمعاتهم فإن الله جل شأنه سخر آفاق السماء، وفجاج الأرض، وجعلها في خدمة الإنسان ليعمر أرضه ويخلف فيها بالإصلاح والعبودية له وحده، وليكون عزيزاً مطاعاً لا ذليلاً مهاناً، وليكون متبوعاً من قبل أمم الأرض لا تابعاً.

وأكد أن هذا التسخير الإلهي لم يكن عبثاً بلا حكمة ولا نعمة لا تقتضي شكر يشاهد على أرض الواقع، من خلال إقامة شرع الله في أرضه، وإعلاء كلمته لتكون هي العليا على هذه البسيطة.

وبين الشيخ الشريم أنه كان لزاماً على أمة الإسلام أن تدرك أمرين جد عظيمين تحمل عليهما الضرورة تارة، ويهدي إليهما الدين تارات أخرى بل كل منها يستلزم الآخر ويستصحبه استصحاباً حثيثاً والأمران هما الائتلاف والتآخي بلا تفرق واختلاف وعلو الهمة لبلوغ الأرب في الرفعة والريادة دون استكانة أو خنوع لغير الله سبحانه وتعالى بهذين الأمرين تنمو الأمم فتعظم فتسود ما شاء الله أن يحيا فيها هذان الأمران، وأنه متى رؤي من أمة الإسلام ميل صادق إلى الوحدة والتمكين فإن العاقبة لها ما من ذلك بد فتلك هي السنة الكونية والدينية.

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه من تصفح تاريخ الأمم والشعوب وتأمل واقعها من خلال كتاب الله وسنة رسوله ومصادر التاريخ المسطرة، وجد أن حظ الأمم والشعوب من الوجود على مقدار حظها من الوحدة ووجد مبلغها من العلو والهيمنة على قدر تطلعها إلى التمكين في الأرض لإثبات وجودها كما وجد أيضاً أنه من حرف قوم عن بلوغ ما ذكر وألهاهم بما بين أيديهم وأوقفهم على أبواب ديارهم ينتظرون طارقهم بالسوء إلا بعد ما رزئوا بالاختلاف والافتراق، ودنوا الهمة والحطة، والشقاق والرضا بالحياة الدنيا من الآخرة "وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل".

وأكد أن الاتحاد والاتفاق والائتلاف تقارب يحدثه شعور كل فرد من أفراد أمة الإسلام بما ينفعها وما يضرها شعور يبعث كل واحد منا على التفكر في أحوال أمته ويجعل لهذا التفكر جزء من زمنه وهمه وأن لا يكون هذا التفكر أقل من همه لمعاشه ورزقه، فضلاً عن أن يكون مجرد تفكر لا يجاوز جدران مخيلة المرء نفسه بل تفكر يتبعه عمل وعزيمة يخلفها إصرار، ولهذا جاء حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك والتآخي بين المؤمنين جلياً بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ثم شبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم".

وأضاف الشيخ الشريم يقول ففي الحديث جعل موضع المسلم بين إخوتهم المؤمنين كالبنيان الذي لا يقوم بعضه إلا على البعض الآخر، من خلال تراكم اللبنات وتشابكها، فلله أي تشبيه للأخوة أعظم من هذا التشبيه الذي نطق به من أوتي جوامع الكلم.

وقال "الشريم" إن هذا الترابط والتآخي والحض عليه من قبل الشارع الحكيم لم يترك هكذا دون سياج يحاط بتحذير وتخويف، بل اتبع بالنهي عن ضده وهو الاختلاف والتدابر والخروج من دائرة المؤمنين الجامعة، حيث توعد الله الواقع في ذلكم بقوله: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً"، هذا هو موقف الدين الإسلامي من العنصر الأول الذي هو الائتلاف والتآخي الموافقان للهدي السماوي الإلهي.

وتابع فضيلته يقول فثم عنصر آخر عباد الله، وهو عنصر الهمة نحو بلوغ العزة والرفعة والتمكين في الأرض من خلال السعي الصادق لبث دين الإسلام والتمكين له والإعلاء لكلمة الله في أرضه وعمارتها بالعدل والقسط، وإن آيات القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بذكر ذلكم داعية إليه جاهرة بالحض عليه، حاظرة عليهم أن يستكينوا، أو يتخاذلوا، أو يتوانوا في المفروض والقيام به.

وأردف يقول: إن كل الرزايا التي تحل بأقطار المسلمين وتضع من أقدارهم ما كان قاذفهم ببلائها وراميهم بسهامها إلا افتراقهم وتدابرهم الذي نهاهم الله عنه، ونهاهم عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم أدوا تلك الحقوق التي تطالبهم بها كلمة الله العليا وتطمأن قلوبهم بذكرها لما كان للغريب مجال لأن يمزق شملهم كل ممزق، أو أن يلمع سلاحه عدواناً وظلماً في وجوههم بعد أن كانت أقدامهم في صياصيهم، وأيديهم على نواصيهم، ردحاً من الزمن هل يود المسلمون أن يعمروا مئات السنين في الضعف وهم يعلمون أن ازدراء الحياة وزخرفها والزهد فيها هو دليل النفس المؤمنة، أيرضى المسلمون وقد كانت كلمتهم هي العليا أن يضرب عليهم الخوف والجوع وأن يقذف في قلوبهم الرعب وتبلغ قلوبهم الحناجر ويظنون الظنون، وأن يستبد في ديارهم وأموالهم وأرضهم التي استنشقوها من هو أجنبي عنهم ديناً وخلقاً وسياسة، أو من لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة بل أكبر همه العبث والتشريد والتفريق والقتل والظلم حتى يخلي منهم أوطانهم التي خلقوا فيها وربوا على ثراها، ثم يضرب القرعة بين المقتسمين أرضهم وأموالهم.

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن علينا جميعاً أن ندرك حجم عداوة من لا يحبنا ولا يهمه أمرنا، كما أن علينا أن ندرك السبل والوسائل التي يتربص بها عدونا وأن نذكي محلها الوسائل الإيجابية مع الرجوع إلى الله والألفة والعزيمة والتغلب على الهوى والرغبة الشخصية وتقديم مصلحة الإسلام والمسلمين على كل مصلحة دونها.

وقال: إن إدراك حجم الوسائل التي يحاربنا بها أعداء بلداننا أو ديننا أو ثقافتنا لهو من الضرورة بمكان، وألا يضيق فهمنا وإدراكنا على تفسير قوتهم وغلبتهم بوسيلة الحرب فحسب، كلا فتلك نظرة ضيقة وفهم قاصر لهذا الواقع المؤلم بل لقد تعدى مدى الوسائل حتى شمل آفاقَ متعددة نراها في الثقافة والمشاعر والإعلام والفكر، بل لقد أصبحت الكلمة والصورة والخبر والصحيفة والبث الفضائي أدق الوسائل إلى غاياتهم المرسومة إذ تفتك بالأمة فتك السهام بلا قوس ولا وتر، فتطعن بغير سكين، وتقتل بغير سلاح، وتأسر بلا حرب، وتحكم بلا مبدأ.

وأضاف يقول: إذا كانت هذه هي وسائلهم السلبية، فأين نحن من الوسائل الإيجابية؟ وإذا كانت هذه هي هممهم الدؤوبة فلماذا هممنا خواء، وغاياتنا هواء، وعزائمنا غثاء؟ لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتنجح وتمسها أصابعنا فتضطرب! إن مستقبل المسلمين ينبغي أن يزرع في بلادهم، وعلى أرضهم بأخلاقهم، وفكرهم، وقوتهم، وأن يكفوا عن صفات التسول بكل صنوفه في طاقاتهم، وإعلامهم، وثقافتهم، وألا يضيعوا في تيه العقل الذي يشحذ ولا يؤسس، فيُنحى حينئذ عن القيادة والريادة قسراً ولات ساعة حيلة!

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook