تواصل – فريق التحرير:

روى فضيلة الدكتور المقرئ عبدالله الجار الله، قصة الشاب الأمريكي عبدالله محيي الدين، والذي يبلغ من العمر 18 عامًا، سلمته أمه إلى حلقة المقارئ القرآنية بالمركز الخيري في عمر العاشرة وكان قد حفظ القرآن، وطلبت منهم تدريسه القرآن بالمنهجية الأصيلة للضبط والأداء المتقن.

ويوضح الجار الله أن عبد الله كان عمره صغيرًا حينما أتت به أمه إلى المركز، فاعتذرت المقارئ عن قبوله وهو مُصر على الالتحاق بحلقات تعليم القرآن، فظل يحضر لعدة أشهر يستمع للطلاب ولم يحصل ولو مرة واحدة أن سمحت له بالقراءة، بسبب ازدحام الطلاب ولأنه لم يتم قبوله بشكل رسمي في الحلقة، ولكنه استمر يحضر في هذه الحلقة.

وأضاف: "حدث وأن سافرت خارج المدينة، لمدة شهر ثم رجعت ولم أخبر أحدًا من الطلاب، وذهبت إلى الحرم كعادتي في وقت الحلقة، فلم أجد في الحلقة إلا هذا الطالب الأمريكي عبد الله محيي الدين، وأخبرني أحد رواد المسجد النبوي، الذين يجلسون قريبًا منا أن هذا الشاب يأتي يوميًا في غيابي ويجلس في مكان الحلقة، رغم أننا أخبرناه أن أستاذ الحلقة في إجازة ولن يأتي إلا بعد شهر، ولكنه أصر على الحضور كل يوم والجلوس مكان الحلقة حتى ينتهي وقت الدرس ويمشي، ولما ألحوا على عبدالله بأن الشيخ غير موجود، فقال قلبي معلق بهذا المكان وسأظل أحضر وأحضر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا".

وأردف الجار الله أنه عندما وصل المسجد ولم يجد في الحلقة إلا عبد الله قال في نفسه أن هذا أمر رباني، ووجب إقراء وتعليم هذا الشاب، وأنه شعر تجاه إصراره بالخوف من الله من أن أرده أو أن أمنعه من تعلم القرآن خاصة وأن شيوخنا قد أخذوا علينا العهد بتبليغ هذه الأمانة.

وأشار إلى أن عبدالله بدأ بالقراءة في السنة الأولى والثانية، ثم قدر الله على أمه بالمرض، وتوفيت إلى رحمة الله وهي في ريعان شبابها، وأخبرني والده أنه كان يبكي على زوجته وأم أولاده كالطفل، وأن عبدالله قد أعطاه القرآن ثباتًا لا يقدر عليه الرجال، وأنه يوم وفاتها صلى الفجر في المسجد ثم رجع إلى أمه المريضة التي ودعتهم وأوصتهم بالقرآن خيرًا ثم قبلوها وقبلتهم وكأنهم يختارون هذه الخاتمة الجميلة، ثم ماتت، يقول الأب: "فجلست أبكي بجوارها وإذا بعبد الله يقبل رأسي ويقول يا أبتي ألم تقرأ قول الله تعالى "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".

وتابع الجار الله أن عبد الله اختفى من الحلقة خمسة أيام ثم عاد فسألته لماذا تغيبت فقال: ماتت أمي قلت البقاء لله وحده وأوصيته بالصبر والاحتساب، ثم بعد أيام جاءني وقال إني رأيت أمي في المنام وقالت لي: "يا عبد الله أبشرك أني في الجنة، وأننا رأينا قصورًا ومنازل عليا فسألنا لمن هذه المنازل، قالوا لمن يحفظ أبنائه القرآن، وبعمل الولد بما فيه، ويقال هذه منازلكم.. وأكملت: يا عبد الله قد انقطع عملي فإذا أردت أن تسعدني فعليك بالقرآن، ومواصلة طريق حفظه وتعلمه ودراسته والعمل به فإنه سبب سعادتي في قبري، إن كنت تحبني".

وأكد الجار الله، أن عبدالله منذ أن ماتت أمه وحتى اللحظة ومشروعه الأكبر هو القرآن، وبر أمه في قبرها، وهذا لأول مرة يحدث أن إنسانًا يعمل حتى يسعد أحد والديه في قبره،  وهو في حالة رباط في المسجد النبوي يأتي من بعد العصر إلى المغرب، ولا يخرج إلا بعد صلاة العشاء حتى في أيام الكورونا والحجر كان بيته قريبًا من المسجد فكان يحرص على أداء الصلوات كلها في المسجد النبوي، ويؤكد الشيخ أن هذا الشاب الصالح قد جعله القرآن كبيرًا في عمله كبيرًا في رسالته وأهدافه.

وأشار إلى أن العجيب هو أن الله تعالى قد جبر خاطر هذا الشاب فصار يرى أمه في المنام كلما أحزنه أمر، فتأتيه وتساعده فيما يواجهه من مشاكل وعقبات، وكأنها تعيش معه في البيت وهي في قبرها، وأن عبد الله رزقه الله الأدب والوقار والصلاح والجلال وأن كل هذه من بركة القرآن، صار محل احترام وتقدير الجميع، وهو الآن وصل إلى مرتبة عالية من الحفظ والإتقان لم يصلها أحد من الطلاب، بل هو أفضل من مر علي في ضبط الأداء القرآني، حيث بدأ من الصفر وكان لا يعرف شيئًا من الضبط واجتهد حتى وصل إلى أعلى المراتب وأفخمها ببركة صبره وإخلاصه ودعاء أمه وأبيه له وبره لأمه وهي في قبرها..

واختتم الجارالله حديثه قائلاً: "الشاب عبدالله في رأيي قد تفوق على طلاب الدراسات العليا في تخصص القرآن، بل تفوق على الحفاظ الكبار، هذه الشاب الأمريكي الذي جاء من نيويورك لا يعرف شيئًا عن القرآن وتحول إلى مرجع مهم في ضبط الأداء القرآني".