الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

خطيب المسجد الحرام: من فوائد الوباء تحسين العمل واليقظة من الغفلة (فيديو)

C5_ch9BWcAAaAUY
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
تواصل – واس: أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم :" إن الله سبحانه جل في علاه هو العلي الأعلى، له علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة، استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، وعرشه فوق سماواته، وهو بائن من خلقه، فوق جميع مخلوقاته، يعلم أحوالهم، ويسمع أصواتهم، ويرى كل ذرة فيهم ولا يخفى عليه منهم شيء وهو جل ثناؤه الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ويمسك السماوات والأرض أن تزولا، وهو الباقي، وكل شيء هالك إلا وجهَه ". وأضاف :" سبحان من تفرد بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير بلا معقب ولا شريك ولا نصير، سبحان من أبدع هذا الخلق، ونظَمَه أحسن نظام، وتفرد بالخلق والأمر، وتوحد بالجلال والجمال، واختص بالكبرياء والعظمة خلق كل نفس ورزقها، وقدر أجلها، فلا تموتُ حتى تستوفيَ رزقها وأجلها، وليس لنفس جاء أجلُها أن تستأخر عنه ساعة ولا أن تستقدم، ولا يقدر أحد أن يحول بينها وبين رزقها أبدا؛ إنه رب العالمين، المنعم على جميع الخلائق، الفعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، وهو البصير الذي يرى حاجة المرزوق إن لم يطلب، وهو السميع الذي يسمع كلامه إن طلب، الرزاق الذي يرزق من شاء، في أي وقت شاء، وبأي قدر شاء، فخزائنه ملأى، لا تنفد ولا تبلى، وآلاؤه لا تعد ولا تحصى، وخيراته لا تزول ولا تفنى وهذه الدواب التي خلقها الباري، كلُّها تأكل من رزقه، (وما من دابة إلا على الله رزقها) ولا يَنْقُص ما في خزائنه إلا كما يَنْقُص المخيط إذا أدخل البحر". وأوضح الدكتور غزاوي أنّ أنواع التدابير نازلة منه، وصاعدة إليه، وجميع الخلق مذعنون لعزته خاضعون لسلطانه وجبروته وعظمته فهم تحت مشيئته وحكمه وقهره، وهو لطيف بعباده يدرك الضمائر والسرائر ويوصل عباده إلى ما فيه الخيرُ لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون، وهو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه ولا ينجي في الشدائد إلا تحقيقُ توحيده وصدقُ اللجأ إليه. وأشار فضيلته إلى أن من حكمة الله تعالى البالغة جَعَل الدنيا دارَ ابتلاء لا دار قرار وبقاء، فمن رحمته أن نَغّص على خلقه الدنيا وكدّرها، لئلاّ يسكنوا إليها، ولا يطمئِنّوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في دار كرامته وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليُعطيَهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم. وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن ما يُجريه على خلقه من أقدار مؤلمة وابتلاءات إنما هي بقدره ولحكمة تامة؛ وهو سبحانه لا يخلق شراً محضاً من كل وجه، بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة؛ فالوباء الذي أصاب العباد وعم الحاضر والباد وإن كان محنةً وابتلاءً وزاجراً يزجر الله به الناس، فهو كذلك منحة، إذ فيه دليل على تفرده عز وجل بالخلق والملك والتدبير وسعة علمه وعظمته وقدرته وقهره، وأن أزِمَّة الأمور بيده وأنه المستحق للعبادة وحده لتفرده بالربوبية، وأن العباد ضعفاءُ عاجزون مفتقرون إليه، كما أن في ذلك بياناً لحقيقة الدنيا وتذكيراً بنعمة العافية وإيقاظاً للغافلين وموعظةً للعالمين، قال ابن حجر رحمه الله: "من فوائد الوباء والطواعين تقصير الأمل وتحسين العمل واليقظة من الغفلة والتزود للرحلة". ولفت إلى أن الله يستعتب عباده ويخوفهم بالآيات ليتعظوا ويعودوا إليه كما قال جل ثناؤه: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)، فهلا شعرنا بافتقارنا إليه فلجأنا إليه واعتمدنا عليه في أمورنا كلها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن يُنزل بهم من الشدّة والضُّر ما يُلجئهم إلى توحيده، فيدعونه مخلصين له الدين ويرجونه لا يرجون أحدا سواه؛ فتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان وذوقِ طعمه، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمةً عليهم من زوال المرض أو الخوف أو الجدب أو الضر"، وقال ابن القيم رحمه الله: "فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان يستفرغ به من الأدواء المُهلكة حتى إذا هذَّبه أهَّله لأشرف المراتب وهي عبوديته وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه".   وقال فضيلته :" عندما تأتي النذر وتدلهم الخطوب وتشتد الكروب تكون للعبد يقظةٌ عجيبةٌ وإفاقةٌ عظيمةٌ حين يتبيّن له أنه قد بعد عن ربه وفرط في حقه، وأسرف على نفسه، وأنه بحاجة الى رحمة مولاه فيشتاق إلى سعادة ليس بعدها شقاء فيرجع إلى رشده ويشمر لله بهمته ويَعُد الأنفاس والدقائق لئلا تضيع عليه في غير طاعة الله؛ فسبحان الله الذي أيقظ البرية من سباتها بهذا الابتلاء العظيم الذي كدَّر صفو الناس ونغص على أهل الدنيا عيشهم، وكان سببا في إحداث يقظةٍ وإفاقة في نفوس المعتبرين، لكن ينبغي لهذه اليقظة أن تتبعها بصيرةٌ ومحاسبةٌ وتوبة، فالعاقل إذا ذكر تذكر وإذا وعظ اتعظ، ويكون دائماً مستشعراً نعمة الله عليه وخائفا مقامه بين يديه، فيستدفع البلاء بتقوى الله ويستجلب رحمة الله تعالى بطاعته والتزام هداه، هكذا تُدَاوى الغفلة باليقظة، فنعوذ بالله من رقدة الغافلين ومن سكرة العامهين ومن إعراض المستكبرين.   وأضاف فضيلته :" مما يتأسف له ولا يكاد ينقضي عجبك منه أن النوازل من كوارثَ وحروب وأوبئة ومحن ونحو ذلك؛ تمرُّ على أناس فلا تجدهم يعتبرون ولا يذكّرون ولا إلى ربهم يتضرعون، بل هم في غفلة سادرون، وفي العصيان مستمرون، وعن الصراط ناكبون، كما أخبر الله عن الأمم التي خلت قبلهم عبر القرون (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون)، (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون)، (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)، ألا ما أكثرَ العبرَ وأقلَّ الاعتبار! وإذا لم يعتبر المرء وقت المحن والشدائد فمتى يعتبر وإذا لم يرجع إلى ربه وقت الفواجع والدواهي ويتضرع فمتى يُفيق وينيب.   وأكد إمام وخطيب المسجد الحرم أن المتأمل في واقع الناس تتجلى له عبر كثيرة، منها حرص الناس الشديدُ على الوقاية من الأمراض الجسدية واهتمامُهم بسلامة أبدانهم وصحتها وعافيتها، وهذا أمر فطري لا يلامون عليه بل الإرشادات الشرعية تدعو إليه وتحث عليه وهو من محاسن الإسلام، لكن ارأيتم من اقتصر على ذلك وأغفل الاهتمام بالجانب الأعظم؛ الأمراضِ المعنوية التي تنتاب القلوبَ والأرواح فتصاب بأوبئة قاتلة وأدواءٍ مزمنة وأصحابُها عنها غافلون لا يكترثون لذلك ولا ينزعجون، فضلا عن أن يسعوا في علاجها ويحرصوا على صحتها وسلامتها.   وقال فضيلته :" في زمن الوباء والشدائد يستشعر المؤمن عظمة الخالق العظيم ويتوكل على العزيز الرحيم؛ فالقلوب كلها بيد علام الغيوب، الذي له الكمال المطلق والمنزهُ عن النقائص والعيوب، فمن أقبل عليه وحده أصاب ومن أقبل على غيره فقد خاب.   وبين الدكتور غزاوي أن في مثل هذه الأحوال الطارئة من المهم أن يأخذ المرء احتياطاته الممكنة ويعملَ بأسباب الوقاية اللازمة والتدابير الصحية المتعينة حفظا لنفسه ولغيره من الإصابة بالوباء وتحرزا من انتشار هذا الداء، لكن يُكمِّل ذلك ويُتَوِّجَه بألا يغفل عن مقتضى الحال وواجب الوقت (التبصرة).   وعد فضيلته الفرصة مواتية للتفكّر والتدبر والحذر والانتباه، والنظر فيما ادّخره العبد لنفسه من الأعمال الصالحة ليوم معاده وعرضه على ربه، وهي فرصة كذلك للمراجعة فيما يؤديه من مَهمات وما لديه من اهتمامات وما يقيمه من روابطَ وعلاقاتٍ وإعادة النظر في ترتيب الأولويات والاستفادة من الأوقات.   وأكد الدكتور فيصل غزاوي أن ما ألمَّ بالناس اليوم من هذه الجائحة العارمة لهو مدعاة للتراحم والعطف والإحسان، والمؤمن يحمل الخير والرحمة للناس ويألم لحالهم ويشفق عليهم؛ فما مس غيرَه من الداء قد يمسه، وما أصاب المبتلى قد يصيبُ المعافى، فهو يتمنى لهم العافية والنجاة والفوز في الدنيا والآخرة، داعياً ربه أن يكشف ما أصابهم وأن يعافيَ مبتلاهم ويصرف عنه وعنهم البلاء.   وأوضح فضيلته أن المسلم في هذه الأحوال يسعى أن يكون نفّاعا للناس، لا يألوا جهدا في جلب الخير لهم والمسارعة في نفعهم بأي وجه من وجوه النفع المباح، وهذا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم، وخير الناس أنفعهم للناس، وكل معروف يُبذل للناس فهو صدقة، وتفريج الكربات والتكافل الاجتماعي وإدخال السرور على الناس من أفضل العبادات وأعظم القربات، فلنتعاون على ذلك حرصًا على فعل الخير ورجاء أن يكون لنا نصيب من الأجر والحسنات.   وطالب فضيلته المسلمين بالامتناع عن إذاعة الشائعات وإعلان الأراجيف بين أفراد المجتمع، وأن يحرصوا على نشر الخير بين الناس وبث روح التفاؤل الذي يورث طمأنينةَ النفس وراحةَ القلب والارتياحَ والنشاط، ورفع راية التبشير بالخير وانتظار الفرج والتهدئة من روع الآخرين والتخفيف من همومهم وتسلية نفوسهم في مثل هذه الأحوال التي يشوبها أجواءٌ من القلق والاضطراب، فالدعم النفسي ورفع المعنويات وشحذ الهمم مهم جدا في المساعدة على العلاج من الأمراض البدنية والإصابات الجسدية، وليكن شعارنا: بَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا، ويَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا.   وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن المستقبل غيب لا اطلاع لنا عليه، فما الذي يدعونا أن نعيش في حال من الخوف والذعر والهلع والتشاؤم ونخشى ما سيكون في مستقبل أيامنا، ويتكدرَ خاطرنا ويستوليَ علينا الهم والتفكير خائفين وجلين ماذا ينتظرنا غدا وما الذي سيجري من وقائعَ ومخاطرَ وأحداث؟ بينما حال المؤمن الثبات والتجلد واليقين وعدم التزعزع مهما كان فهو يعيش في سكون واستقرار واطمئنان، ويعلم أن مشيئةَ الله نافذة وقدرتَه كاملة وأن ما قدره عليه كان، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ وألا ملجأ من الله إلا إليه فما عليه إلا أن يصبر ويتوكل على الحي القيوم، مع أخذه بالأسباب المشروعة، وفي المقابل يحذر كل الحذر من الجزع والاعتراض على أقدار الله والتسخط عليها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "قَالَ: لَأَنْ أَعَضَّ عَلَى جَمْرَةٍ وَأَقْبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْرُدَ فِي يَدَيَّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللَّهُ: لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ".   ودعا فضيلته المرء أن يعزِّ نفسه فيما أصابه قائلا لها: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) وليتذكر ما قد يكون وراء هذه الأزمة من خير غاب عنه فيردّد: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، وليحرص وهو ملازم بيته على ما ينفعه بالاستفادة من البرامج النافعة التي تشغل وقته وتزيده علما وتنمي ثقافته وتكسبه الخبرات وتطرد الفراغ القاتل وتشغل فكره عن أن يجول فيما لا ينفع كالفكر فيما لم يكن لوكان كيف يكون.   وأكد الدكتور غزاوي أن الذي أنزل الداء بقدرته وأذن بالعدوى أن تنتقل بمشيئته هو الذي يرفع البلاء ويكشف الضر برحمته فافزعوا إلى الحصن الحصين والدرع الواقي ذكرِ الله ودعاؤه واستغفاره والثقة به وحده والاعتماد عليه والتضرع إليه والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، وأحسنوا الظن بربكم وعلقوا به قلوبَكم وأمنياتِكم وآمالَكم، وفوضوا إليه أمركم وارضَوا بما قسمه لكم والتجئوا إليه واطلبوا الحماية والوقاية منه وحافظوا على الأذكار والأدعية المأثورة فليس أنفعُ للوباء من الاستغفار والدعاء والصبر وصدق الالتجاء لفاطر الأرض والسماء.   وقال فضيلته: أمة الإسلام إن ما نشهده اليوم ونعيشه من محنة ليست أولى الشدائد والابتلاءات التي يمر بها الناس، بل سبقتها محنٌ كثيرةٌ قاسيةٌ شهد بها التاريخ وهذه الأزمة ستنقضي وتزول بإذن الله كما ذهب ما كان قبلها لكن إذا انجلت وانكشفت فعلى أي حال سنكون؟   وحث فضيلته المسلمين بالتوبة ِ قبل أن يصل إلينا من الموت النوبة، الإنابةَ الإنابةَ قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقةَ الإفاقةَ فيا قرب وقت الفاقة، إنما الدنيا سوقٌ للتَّجْر، ومجلسُ وعظٍ للزجْر، وليلُ صيفٍ قريبُ الفجر، المُكْنةُ مزنةُ صيف، الفرصةُ زَورةُ طيفٍ، الصحةُ رقدةُ ضيف، الاغترار نَقدةُ زيف، البدارَ البدارَ فالوقتُ سيف.   https://youtu.be/SMuvm_bSajUاضافة اعلان
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook