الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

كشف الحقيقة!!

تنزيل
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
كأس من القهوة الداكنة دعاني إليها صديقي الطبيب في عيادته، بصحبة صديق مشترك بيننا، لم أشك برهة أنها دعوة ممزوجة بأمر ما مختلف، ولاسيما وأني كنت قد التقيته بالأمس القريب، وبالفعل شكي كان في محله، فدعوته هذه كان وراءها شيء مزعج، لم يستطع كشفه بمفرده لصديقنا المشترك. اضافة اعلان

كتب لي رسالة عبر الواتس آب وأنا بجانبه وأرسلها على جوالي، الذي رن بدوره رنته المعتادة، سبقها إيماءة برأسه لي أن أقرأها سراً، يقول فيها أن صديقنا الذي أمامنا مريض بمرض خطير، ولا أستطيع أن أبوح له به بمفردي، فمن فضلك ساعدني، فانتابتني مشاعر الحيرة والدهشة والخوف، ودار حوار ثلاثي بيننا حول أمور عدة لا أتذكرها، وإنما كل ما أتذكره أنه وضعني في مأزق حقيقي، وتخبط في الأحاسيس، وتردد وحيرة كبيرة، وبدأت أطرح على نفسي عدة أسئلة منها، أأخبر صديقنا بحقيقة مرضه أم لا؟ أمن حقه عليّ كإعلامي وغيره أن يعرف مني أنا الحقيقة؟ أم أخفيها عليه؟ وهل نحن كإعلاميين مطالبون على طول الخط بكشف الحقيقة للناس حتى ولو كانت مرة؟ أم نجمل الحياة لهم ونزينها؟ وما هي الحقيقة التي يريدها المتلقي منا تحديداً؟ فهل يريد الحقيقة ذاتها؟ أم أنه يريد الحقيقة مثلما يريد لها أن تكون؟ وهل يبحث المتلقي عن ما يشبع رغبته المعرفية وتحقيق علمه بما يدور حوله اعتماداً على حقه في المعرفة؟ أم أنه يسعى لتدعيم أفكاره الداخلية بغض النظر عن طبيعة الحقائق التي ربما تكون صادمة ومزعجة وقد تتعارض مع أفكاره وقناعاته ومشاعره؟

كبحت جماح مشاعري هذه، ونظرت لهما نظرة عميقة، واحتسيت كأس عصير الليمون الذي أمامي دفعة واحدة، واستأذنت منهما وخرجت، وتركتهما ينظران بعضهما البعض، وظللت أبحث عن إجابة لتلك الأسئلة طوال رحلة عودتي إلى منزلي، فوجدت أن كشف الحقيقة هي مهمة الإعلامي الأولى، ورسالة الإعلام السامية، مهما كانت خطورتها، وإيقاعها على الناس، حتى ولو كانت تلك الحقيقة صادمة أو مرة، فالإعلام يسعى دائماً لنقل الحقيقة ولا شيء غيرها، تلك الحقيقة التي يعتبرها البعض محدودة ومقننة.

كل الحقائق بنظري مزعجه ومقلقة للبعض، ولا يستطيع الإعلامي بها أن يرضي الجميع، ولكنها مهمته الأساسية، ومن مقومات نجاحه في تأدية رسالته، وعلى المتلقي أن يعلم أن الحقيقة بتصور فلسفي بسيط هي القدرة على الرؤية من مختلف الجهات، والتي قد لا يتمكن الكثيرون من معرفتها برغم وضوحها، وينبغي عليه أن يدرك أن الحقائق تساند بعضها الآخر، حينما يتم التعامل معها على أنها معطيات، تعمل ضمن قانون الحياة العام الذي يتقاسمه الخير والشر، والحلو والمر، والحب والكره.

كشف الحقيقة وتنوير الناس بما يدور حولهم من أحداث بدقة وموضوعية ومصداقية تعد واحدة من أهم وظائف الإعلام في المجتمع، فقد تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس طوال الوقت، وهذه هي القاعدة الذهبية في الإعلام المهني النظيف، فليس الإعلام مجرد نقل معلومة عابرة بغرض السبق، ولكن الإعلام الصادق جهد وعرق من أجل الوصول إلى الحقيقة، وتحري الحق مهما كان، ليتمكن المتلقي من اتخاذ القرار الصائب في قضايا مهمة، قد تقرر مصيره وترسم ملامح حياته، حتى وإن تعلق الأمر بمرض خطير لا يرجى شفاؤه.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook