الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

مواهب الشباب.. حلقة ضائعة بين الوقف والإعلام

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

لم يكن أكثر المتفائلين في الحقل الإعلامي ليدرك بحواسه أو بخياله أن يحوز الإعلام على تلك المكانة الكبيرة بين مجالات الحياة الحديثة، سواء من الاهتمام أو المتابعة في القطاعات كافة، وها هي اليوم الدراسات تترى تشير إلى مكانة العمل الإعلامي بقصد التأثير في المتابعين والمهتمين وجذب مزيدٍ منهم على مدار الساعة، لا فرق في هذا بين العالم كله ومجتمعنا، وفيما يخص أية مهنة أو مجال حياتي فإن الإعلام حاضر في العمل على تطويرها والترويج لها، وهو أيضًا حاضر في نقد أخطائها والعمل على تطويرها والترويج لها.. الكل يعنى بالإعلام إما متابعةً أو صناعة.

اضافة اعلان

غير أن بعض مجالات الحياة والقطاعات والمهن الحياتية يقصِّر المعنيون بها في العناية بالجانب الإعلامي، ليس زهدًا في الإعلام، فمعروف للقاصي والداني ما فيه من تأثير وانتشار فضلًا عن مغريات الشهرة والظهور، لكن قصورًا في إدراك خطورة الإعلام، ومدى أهميته في خدمة هذا المجال الحياتي أو ذاك.

لقد وجد الجميع أنفسهم -بين عشية وضحاها- بصدد أهمية وخطورة وإغراءات الإعلام، ومن ثم سهولة ويسر الظهور الإعلامي.. وبقيت مجالات وأصحابها لم تسترعِ انتباههم أهمية الإعلام في حياتنا، سواء كان الحديث عن عالمنا الكبير أو عن مجتمعنا.. من هذه المجالات التي لم تقدر الإعلام قدره المجال الخيري بعامة، ومجال الوقف بخاصة.

لقد بدأنا نجد أنفسنا في حاجة ماسة إلى الإعلام؛ من أجل مزيد من النجاحات في كافة الأعمال والمجالات، وبذل مزيد من الجهود الإعلامية لصالح مجالات العمل الخيري، والمنظمات الخيرية، والوقف الإسلامي، وبخاصة بعدما أضحت وسائل الإعلام معنية بمخاطبة ملايين من البشر على مستوى العالم.

وتشير "دراسة.. عالم وسائل التواصل الاجتماعي بالأرقام" المنشورة على موقع "اسكاي نيوز عربية" بتاريخ 11 فبراير 2016م، إلى ما كشفه موقع "مجلة محرك البحث" عن حجم النمو في قطاع وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر 3 بيانات رسومية (إنفوغرافيكس).. - وقد أظهرت بيانات المجلة النمو بين عامي 2010 و2015م، أن عدد مستخدمي موقع سنابشات حوالي 200 مليون، أما موقع تويتر فيصل عدد مستخدميه إلى 316 مليونا. - وأما المواقع الأكثر استخداماً فهما موقع يوتيوب، ويقدر عدد مستخدميه بأكثر من مليار مستخدم، في حين يتجاوز عدد مستخدمي موقع فيسبوك 1.5 مليار مستخدم. وبحسب المجلة، فإن عدد الحسابات النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي تصل إلى 1.7 مليار حساب، من أصل 2.1 مليار حساب، في حين أن عدد المستخدمين للإنترنت يصل إلى 3 مليارات مستخدم، أي ما يعادل 45 بالمائة من إجمالي عدد سكان الأرض. ولا شك في أهمية الإعلام الكبيرة في ظل تدفق المعلومات كبحر هادر؛ حيث بات الإعلام صناعة كبيرة دارة للربح الغزير، وباتت وسائل الإعلام -والإعلام الجديد بخاصة- تحكم سيطرتها كل يوم أكثر على حياة البشر في كل مكان، وبات المتلقي بين براثن الإعلام غير الصالح في أكثره، ولديه من المواهب والقدرات، وبخاصة في صفوف الشباب والشابات، ما يمكنه من قلب ميزان الحضارة المعاصرة لو أراد، ولديه من الأفكار والمشروعات والإمكانات ما يفتح به الدنيا حين يشاء.

ساهم الإعلام التقليدي والجديد، على أية حالٍ، في شل قدرات شبابنا بخاصة، وأعاقا مهاراته، وأغرقه في بحار التفاهة وسفاسف الأمور، وأنساه أن لديه قدرات جبارة ومواهب فذة، وأن في مجتمعاتنا إمكانات كبيرة؛ منها الجانبان التطوعي والخيري؛ التي يدل بهما الغرب على العالم كله، وكل يومٍ نرى رجلا غربيا أو مؤسسة غربية يرفعان عقيرتهما بأعمال الخير والبر.. تارةً في إفريقيا وأخرى في أمريكا الجنوبية وثالثة في جنوب شرق آسيا..

وليس لدى الغرب مجال يساوي أو يداني الوقف الإسلامي؛ الذي هو أكبر ثروة مالية في التاريخ البشري كله.. ملايين الأراضي الزراعية، والصالحة للبناء، إلى جانب ملايين الأبنية الفارهة والأثرية، التي لا يقدر أحدها بثمنٍ مهما غلا.. وهذا كله لا يجد من يستثمره، ويفيد منه نفسه وغيره.. بل لا يجد من يضع خطة أو حتى يفكر في خطة لاستغلاله والإفادة منه على وجهه الأمثل.

ينشغل إعلامنا الجديد بمزيد من هدم قيمنا، وتتفيه شبابنا، تارة بإثارة الشهوات والشبهات، وأخرى بالإلهاء والتفاهات، ولا نجد من يكد ويكدح للإفادة من هذا التراث الضخم الذي لا يقدر.. أعني الوقف الإسلامي؛ كجانب من جوانب العمل التطوعي والخيري يصل حاضر ومستقبل الأمة المبشّر بماضيها الخيّر.. ومن هاهنا أدعو الشباب والشابات إلى التفكير الجدي في وضع خطط واقتراحات للإفادة المثلى من هذا التراث الضخم، كما أدعو المؤسسات -وبخاصة مؤسسات العملين الخيري والتطوعي- إلى القيام بدور فعال في هذا الإطار؛ من خلال التشجيع على هذا التوجه، وتبني آراء الشباب الجادة حوله، وتوضيح مفاهيم العمل الخيري، وحصر الأوقاف في العالم الإسلامي، ودراسة كيفية أن يصبح الإعلام فعالا في هذا المجال.

وهناك ارتباط وثيق بين الإعلام والعمل الخيري؛ فالعمل الخيري لابد محتاج إلى من يظهره ويشيد به ويشجع عليه، والعمل الإعلامي هو صاحب هذا الدور، فبين الإعلام ومؤسسات الوقف الإسلامي ضرورة بل حتمية تعاون؛ حيث يمكن أن يساهم الإعلام بفعالية كبيرة في إبراز ودعم وتشجيع العمل الخيري بكامل مجالاته، وفي القلب منها الاستفادة المحققة والمثلى من التراث الوقفي الهائل.

إننا في حاجة ملحة وماسة إلى البحث عن الحلقة الضائعة بين الوقف والإعلام؛ من أجل تحقيق التكامل المرجو بين العمل الخيري والمؤسسات الحديثة، والظاهرات الاجتماعية المهمة، التي على رأسها العمل الإعلامي.. هذه الحلقة الضائعة أجدها في تسخير الشباب مواهبهم الفذة في الربط بين آليات الحياة المعاصرة، ومعطيات المجتمع، التي على رأسها العمل غير الربحي، وفي القلب منه الوقف الإسلامي.. فعل الشباب يلتفتون إلى قدح قرائحهم وعصف أذهانهم في هذا الجانب، ولعلنا نخرج من هذا وذاك بأفكار جديرة بتغيير الواقع بإحداث نقلة نوعية في العمل الإعلامي المتعلق بالوقف والعملين التطوعي والخيري.

نحن في حاجة أيضًا إلى أن تدعم المؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها.. المقروء والمسموع والمرئي، وكذا مؤسسات العمل الخيري والوقف الإسلامي - أن تدعم أفكار وابتكارات الشباب وتشجعهم.

نعم هناك إشكالات تعرقل تحقيق هذه الآمال، ولكن كل فكرة طموحة وجديدة يكون دونها عراقيل؛ كسيطرة الوجاهة المعيقة للتفكير والابتكار في كلا المجالين الإعلامي والخيري، ومن أن لكل من المجالين ضروراته وأولوياته، ومن غياب التنسيق الحق بين مؤسساتنا؛ لكن مثل هذه العراقيل سرعان ما تذوب أمام أمواج الإصرار الهادرة، وتبزغ الفكرة للنور وتصبح واقعاً حياتياً معاشاً.

ونحن في هذا التوقيت لا نطمح إلى أكثر من أن يهب الشباب والشابات، الذين حازوا قدرًا من التعليم في أي مراحله من الابتدائي إلى ما فوق الجامعي، والذين أيديهم ليل نهار في التقانة الحديثة، وأمام ناظريهم ثورة المعلومات، بل وثورة المبتكرات، أن يهبوا فيصنعوا جسرًا بين مدخرات الوطن ممثلة في الأوقاف، وتوجيه ضوء إعلامي عليها؛ من خلال رؤى طموحة للإفادة منه في كل ميدان.

وهذا خير عميم؛ فالإعلام هو بذاته صناعة كبرى في عالم اليوم، والأوقاف من أثمن؛ بل هي أثمن شيءٍ مادي وعيني نملكه.

وها أنا أتقدم شبابنا، وأضع بين أيديهم جملة أفكار لعلهم على ضوئها يسيرون..

(1) ضرورة ابتكار برنامج لحصر الأوقاف الإسلامية في العالم كله، تمهيدا للإفادة منها.

(2) ابتكار مشاريع تجمع بين التقنية والوقف بحيث يستفيد المشهور من تحقيق أثر وأجر في حياته وبعد مماته؛ فكرة الوقف الرقمي.

(3) أن تتجه المؤسسات المانحة إلى رعاية الأوقاف الإعلامية التقنية.

(4) الأوقاف على غرس وتنمية القيم وتصحيح مفاهيم النشء، ويمكن أن تتبنى وزارة التعليم الوسائل المحفزة على هذا.

(5) تشجيع الابتكار والتجديد في الأوقاف، عبر جائزة سنوية كبرى تتبناها هيئة الأوقاف (هيئة جديدة تم إنشاؤها بمرسوم ملكي).

إننا نرى الغرب اليوم يُعنى بالعمل الخيري وبالوقف، ويعنى بالإعلام فيما يتعلق بالعمل الخيري والوقف، ونرى أننا أولى بهذا؛ فنحن لدينا وقفٌ هائل، ونعي أهمية الإعلام من حيث هو دعوة في المقام الأول.

ولذا فإن تطور الإعلام الخيري يثير قضايا كثيرة تتعلق بالعمل الخيري وبالوقف، من خلال الاستفادة المالية فهذا باب خير عظيم، ومن خلال الاحتساب على الله فهذا ثواب جزيل، ومن خلال التواصل بين أجيال الأمة، وتنشئة الأجيال الجديدة على حب الخير وابتغاء مرضاة الله، ومن خلال دعم ورعاية ابتكارات الشباب، وتسخير المغريات الإعلامية الحديثة فيما يجدي وينفع.. ولعل مواهب الشباب وقرائهم ذاخرة بما هو أكثر وأهم من المزايا والأفكار المبتكرة والمطورة في هذا المجال.

م . رياض بن ناصر الفريجي

@RIYADHTOPMEDIA

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook